Loader

منطلقاتنا الفكرية

الميثاق الفكري والمنطلقات الدينية لمركز الثقافة الإسلامية في فرانكفورت

نضع بين ايديكم مبادئ الفكر الديني والإسلامي ومواقف مركز الثقافة الإسلامية بفرانكفورت كمنظمة دينية وثقافية غير سياسية. وهذا المركز بصفته جمعية محلية مسجلة وفق القانون الألماني، فهو لا ينتمي إلى أي حكومة أو دولة أو جنسية معينة، وتعتمد مواقفه بشكل مستقل وحصري المصادر الدينية للإسلام، بالاعتماد على القراءة العقلانية المبنية على الثقلين (القرآن والسنة النبوية التي بيّنها أهل البيت). وفي ضوء ذلك نبيّن الأسس التالية:

1ـ التوحيد

أصل كل شيء من وجهة نظرنا هو الوجود الفريد والأسمى لله العلي، المنزهة ذاته عن كل شيء، وقد عبّر عن ذاته في مقام التجلي والفعل حسب تعبير القرآن الكريم بـ (الأسماء الحسنى). إنه منزّه عن كل نقص وحاجة، وبعيد كل البعد عن صفات التجسيم وصفات المخلوقات. لم يلد ولم يولد، ووجود كل شيء متعلق به.
إنه مبدأ كل كمال موجود، وكل كمال غير منته مفروض فهو له، ويُفيض الوجود الرحمة والكمال على باقي المخلوقات. وبرغم علو المرتبة هذه فإن الباري تعالى أقرب إلى الخلق وأرحم بهم من كل مخلوق. وهو عالم وحكيم، لذلك لا تنشأ إرادته إلا من أصل معرفته اللانهائية ومن مدار حكمته الإلهية. إنه تعالى يُعين كل مستعد للسير على طريق كماله، ولا يضيع أي عمل ولا يظلم أحداً. رحمته ومحبته من صفاته المتأصلة، ومعنى غضبه ما هو إلا بعد الإنسان عن رحمة الله.

2ـ النبوة والخاتمية

تقتضي رحمة الله تعالى وعلمه وحكمته أن يرشد الإنسان إلى السعادة الأبدية، فبالإضافة إلى العقل والفكر وهو النور المضيء والنبي الداخلي للإنسان، أن يختار خيرة خلقة كرسل للبشر؛ ليكشف لهم خفايا الوجود الذي لم تستطع التجربة والحس الوصول إليها. .

الأنبياء قدوة علمية وعملية يدعون الناس إلى طريق الإنسانية وعبادة الله، ويساعدونهم في طهارة الروح ويبينون لهم طريق السعادة. ولا يوجد قوم أو جماعة إلا وبعث الله فيهم نخبة من البشر يدعونهم إلى الخير ويرشدونهم إليه. وتختلف درجات الأنبياء ومسؤولياتهم لكنهم دعوا البشرية إلى أمر متعالٍ واحد، ولم يخضعوا إلى عبادة غير الله تعالى. وتعرّف الانسان ببركة الكتب المقدسة على بعض أسمائهم، ولم يتعرّف على أسماء آخرين منهم. .

بدأت سلسلة الأنبياء بالنبي آدم (ع) وانتهت بالنبي محمد بن عبد الله (ص). ومن بين هذه السلسلة تلمع أسماء خمسة منهم بصفتهم أفضل الأنبياء، وهم نوح (ع)، ابراهیم (ع)، موسى (ع)، عيسى (ع) وخاتمهم وهو محمد بن عبد الله (ص)..

 يستقبل الأنبياء الرسالة الإلهية بلا خطأ ويوصلونها إلى البشر كذلك. وأهداف دعوتهم واحدة وتصدّق دعوة كل واحد منهم الآخر، وكل نبي يبشر بظهور النبي اللاحق..

وحسب تعاليم القرآن وكلام النبي الأعظم (ص) فإن النبي محمد هو خاتم النبيين، وتم بيان ما يحتاجه الانسان للوصول للسعادة في آخر وحي منزل وهو القرآن الكريم. وبعد رحلة النبي الأعظم لم يُبعث نبي ولن يُبعث أحد بهذه المهمة مهما بلغت منزلته..

وكما يبيّن القرآن الكريم فإن المسلم يتّبع تعاليم آخر الأنبياء وهو النبي محمد (ص) ويؤمن بجميع الأنبياء والرسل ومنزلتهم عند الله تعالى. .

3ـ حقيقة الموت

نعتقد أن البشر يتمتعون بروح إلهية وغير مادية تشكل جوهر الهوية الإنسانية وبقائها. فكما أن ارتباط هذه النفس الإلهية بالجسد المادي للإنسان يضمن استمرارية حياته المادية والجسدية، فإن الفضائل مثل الإيمان بالله تعالى والمعرفة والوعي والفضائل الأخلاقية والاختيار العقلاني والإنساني والقيام بالأعمال الصالحة والحسنة يدعو هذه الروح الإلهية إلى المرور بمراحل الكمال والرفعة في الدنيا. وفي حال ترك المراحل المذكورة يطوي الانسان هذه المراحل في الاتجاه المعاكس وتقل من قيمته الإنسانية والإلهية. وعملية انفصال الروح عن الجسد المادي هو ما نسميه بالموت.

في رأينا، بالرغم من أن الموت يفصل الروح عن الجسد البشري ويعيد الجسد البشري إلى أصله، أي العناصر الطبيعية والمادية، فإنه لا يعني أبداً اضمحلال الهوية البشرية.

بعد الموت الجسدي، تنتقل الروح البشرية إلى مستوى أعلى من الوجود وتلاقي مظاهر ربها ولن تذوق موتا آخر أبدا.

4ـ الحياة بعد الموت

نعتقد ان الانسان لا ينتهي بالموت، بل انه دخل عالم الوجود منذ بداية الخلقة الإلهية سائرا في طريق كماله ليرجع في نهاية المطاف إلى الله تعالى. وهذا الرجوع إلى الله تعالى يُسمّى باللغة الدينية «المعاد». يدخل الانسان هذه الدنيا برأس مال الوجود والاستفادة من العقل ونور الوحي، ويعمل أعمالاً حسب وسعه وطاقته تترك أثرها على روحه، وتحدد نتيجة عمله الدنيوي في الآخرة. .

قد يقوم الانسان بأعمال ناتجة عن العدل وأخرى أساسها الظلم والاعتداء وبطبيعة حكم العقل فإنه لا يمكن ان تكون نتيجة العملين واحدة. ومن خصائص المعاد أن العدالة الإلهية تقتضي أن يواجه الإنسان نتيجة اعماله، فيظهر ذلك في مظهر الرحمة الإلهية وهي جنة الرضوان، أو نتيجة الابتعاد عن الله تعالى ومواجهة عذاب الحرمان من الرحمة الإلهية وهو عذاب جهنم..

يوم المثول أمام الله تعالى هو اليوم الذي تظهر فيه السرائر، وتنكشف فيه حقيقة الانسان، ويحضر الانسان أمام الله تعالى على حقيقته، وتتم محاكمته على أساس الحقائق، ولا يُظلم أحدٌ طرفة عين أبداً..

5ـ التوازن بين الدنيا والآخرة

الدنيا والحياة بعد الموت في اعتقادنا ليسا شيئين منفصلين تماماً، بل نمط حياتنا في الدنيا يحدد نتيجة اعمالنا في عالم الآخرة..

ما نواجهه في الحقيقة بعد عالم الدنيا هو الآثار الحقيقية لأعمالنا والطرق التي عشنا على أساسها. وكلما كانت حياة الفرد المسلم في هذه الدنيا بلحاظ انساني ديني أخلاقي مفيدة وغنية فحياته بعد الدنيا أكثر سعادة..

ومن هذا المنطلق فلا ينبغي للإنسان المسلم أن يهمل الدنيا والتمتع بحياة مناسبة بحجة الانشغال بالأمور المعنوية، كما لا يليق بالإنسان اغفال أو تجاهل الجانب الأخلاقي والمعنوي في الحياة بحجة الرقي بمستوى المعيشة. فعلى المسلم أن يسير بشكل متوازي ليضمن السعادة الدنيوية والاخروية من خلال حفظ التوازن بين أمور الدين والدنيا..

6ـ الوحي

معرفة الحقيقة والوصول إليها لا ينحصر بالمعرفة الناتجة عن الحس فقط، ولا ينحصر الوجود بالأمور الحسية فقط. والوحي في اللغة هو إلقاء المعنى بشكل سريع خفي، وفي الاصطلاح نوع من الحديث السماوي لا يُدرك بالحس والفكر العقلي، بل إدراك وشعور آخر يظهر أحيانا لدى بعض الافراد بإرادة الله، ويتلقون ما يخفى على العقل والحس من خلال الوحي والتعليم الإلهي..

ودرجات الوحي مختلفة تبدأ من القاء نوع من الهداية في طريقة الوجود، وهذا النوع يتمتع به جميع الموجودات، إلى أرقى أنواعه وهو الوحي الرسالي الذي يختص بالأنبياء وهم الذين يدركونه فقط..

7ـ القرآن الكريم

اختار الله سبحانه وتعالى بمقتضى رحمته وعلمه وحكمته أنبياء، وشرّفهم بتلقي وحيه، وألزمهم بإبلاغ الرسالة إلى البشرية. .

ونعتقد ان القرآن الكريم هو النص الذي لم تناله يد التغيير وكلام الله تعالى الذي نزل على قلب النبي الأعظم تارة بشكل مباشر وأخرى عن طريق الملك جبرئيل. وقد أبلغه النبي الأعظم إلى الناس دون أي تغيير أو تبديل عمدياً كان أم سهوياً. وهذا الكتاب المبارك هو القرآن الكريم المتداول بين أيدي المسلمين اليوم. الكتاب الذي حفظه الله تعالى من أي تحريف أو تبديل أو حذف أو إضافة من قبل الآخرين وسيبقى أيضاً كذلك.

نعتقد أن القرآن الكريم كنص منسجم متقن واضح يبيّن حقائق الوجود المختلفة أُرسِل إلى الانسان بغض النظر عن عرقه ولونه ولغته وانتماءه الجغرافي، ويخاطبه بلغة الفطرة الإنسانية. القرآن شفاء الروح والعقل، ويجيب على جميع أسئلة البشر ذات الارتباط بالهداية والسعادة الحقيقية. وتعاليم القرآن الكريم طهارة للفطرة الإنسانية وباطن البشر ودليل حياته الدينية والأخلاقية والإنسانية..

يدعو الكتاب المبارك الإنسان إلى الله تعالى وحقيقته الإنسانية، وهو المصدر الأساس لتعاليم الإسلام وهو الأصل والمعيار في تعيين الصواب من غيره لكل ما يُقدّم باسم الإسلام..

8ـ سنة النبي القطعية

لا شك أن القرآن الكريم وثيقة قطعية وطريقه واضح ولغته ليست لغة رمزية. ويقدّم النبي الأعظم (ص) كمبيّن لمعاني وتعاليم الوحي الدقيقة، واتباع القرآن الكريم طريق لرقي الانسان إلى مقام محبة الله تعالى. وحديث النبي الأعظم (ص) ومنهجه في الحياة الذي يُسمّى (السنّة) وهو العامل الثاني إلى جانب تعاليم القرآن الكريم الذي يُضيء للإنسان طريق السعادة والازدهار. .

استشهد كثير من الناس على مر التاريخ بكلمات النبي الأكرم (ص) وسيرته، وربما حدثت أخطاء عمدية أو غير مقصودة في هذه الاقتباسات. ونعتقد أن سيرة رسول الله تثبت من خلال الطرق العلمية المتعارفة في العلوم الإسلامية، والسنة القطعية دليل معتمد ويجب اتباعه. .

9ـ الإمامة

  • الإسلام آخر دين والنبي الأعظم (ص) خاتم الأنبياء والمرسلين والقرآن الكريم آخر كتاب سماوي، واقتضت الإرادة الإلهية أن يكون ذلك سبيل وصول الإنسان إلى السعادة. وبما أن حياة النبي الأعظم (ص) ـ كما هو الحال مع بقية البشر ـ خاضعة لقانون الرحيل عن هذه الدنيا شغلت مسألة خلافة النبي العلمية والعملية حيزاً في المجتمع الإسلامي. وتبرز هذه الخلافة التي يُعبّر عنها بـ (الإمامة) في جميع أبعاد الأمور الدينية والاجتماعية بخاصة المرجعية العلمية.

والإمامة حسب اعتقادنا مقام إلهي نصّت عليه سنة النبي الأعظم (ص) القطعية في مواطن كثيرة كبداية البعثة النبوية وغدير خم، وأن الخلافة بعد النبي تنتقل إلى الشخص الفريد في الإسلام وهو علي ابن أبي طالب (ع) وبعده تنتقل الإمامة وبيان حقائق تعاليم الإسلام إلى سلسلة أحفاد النبي الأعظم وهم الحسن بن علی المجتبی (ع)، الحسین بن علی سید الشهداء (ع)، علی بن الحسین السجاد(ع)، محمد بن علی الباقر (ع)، جعفر بن محمد الصادق(ع)، موسی بن جعفر الکاظم (ع)، علی بن موسی الرضا(ع) ، محمد بن علی الجواد (ع)، علی بن محمد الهادی(ع)، الحسن بن علی العسکری(ع) و محمد بن الحسن المهدی (عج). والامام الثاني عشر هو الامام المهدي (عج) الغائب (الغيبة في الاصطلاح الديني) والحي حتى الآن ـ لاقتضاء حكمة الله تعالى ـ إلى أن يأذن الله بالظهور ويمارس دور هداية الناس بالعلن.

10ـ المرجعية وعلماء الدين

طالما كان العلماء في تاريخ الأديان هم الخبراء بمسائل الدين، والمرجعية الفكرية والعملية والدينية للمؤمنين والباحثين في الشأن الديني ولذلك يحترمهم الناس. كما هو ملاحظ في سيرة المسلمين طوال ألف واربعمئة سنة، فقد اعتبروا احترام الشخصيات الدينية العلمية يؤدي إلى احترام الدين واجلاله..

 ونعتقد أن التميّز بهكذا منزلة لا يعني أبداً كون علماء الدين معصومين، فالإنسان مهما بلغ علمه وعدله يمكن أن يقع في خطأ مادام غير معصوم. لكن احترام مقام علماء الدين وتقديره هو أفضل وسيلة لمنع السلوك الانفعالي الهدام الذي قد يحدث بحجة اختلاف الآراء تجاه بعض علماء الدين. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي هذا التقدير إلى تكوين أساس لمناقشات علمية هادئة بين علماء الدين.

ونعتقد أنه يجب تكريم مرجعيات المسلمين الشيعة كعلماء ومرشدين دينيين، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي و لغتهم و عرقهم و أفكارهم السياسية و اختلافاتهم العلمية واذواقهم. وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى تقوية كيان المرجعية الدينية، الأمر الذي يقع سداً منيعاً أمام التطرف والتفرقة، ويقود إلى سيادة العقلانية والاعتدال. .

11ـ الشريعة

تعني الشريعة في اللغة العين التي يمكن الشرب منها بسهولة، ولذا يقال للخطط العملية لكل دين «الشريعة» لأنها كالماء العذب توجب لشاربها الطهارة والسلامة إذا ما أراد تنظيم حياته في ضوءها. والشريعة في رأينا هي الخطط التي يتم بيانها من قبل الله تعالى بصياغة قانونية في مجالات مختلفة لتنظم علاقة الانسان بالله تعالى ومع نفسه والآخرين.

وتعمل الشريعة ـ كما نعتقد ـ على تنظيم سلوك الإنسان اليومي في الحياة، فمساعدة الإنسان على تنسيق عناصر الحياة المختلفة وتسهيل خياراته من أجل الاقتراب من الله هو أحد الأهداف الأساسية للشريعة. وبناءً على ذلك فليس الهدف من قوانين الشريعة سجن الإنسان في إطار ضيق وغير مرن، أو تباعد بينه وبين حياته الطبيعية، أو فرض حرمان لا داعي له.

آنچنان که ما می اندیشیم، شریعت در خدمت نظم بخشیدن به رفتارهای عادی و روز مره زندگی انسان قرار دارد .

وعلى هذا الأساس نعتقد بأن الشريعة قادرة دائما على توجيه الحياة الدينية للمؤمن لتعزيز الرقي المادي والروحي ومراعاة المتطلبات الزمانية والمكانية والتغيرات المستمرة في قضايا الحياة البشرية بطريقة ديناميكية في ضوء الاجتهادات والفهم الأصولي المرن. .ويجب الاعتراف باستغلال هذا الاسم على مر العصور لتوجيه أفكار متعصبة جافة، حيث تم القيام بأعمال شاذة غير مقبولة تحت ستار اتباع الشريعة. ومن ناحية أخرى أيضاً محاولات تغيير اتجاه الحياة البشرية من عبادة الله تعالى إلى استعباد الرغبات المادية للإنسان بحجة مواءمة الشريعة مع قضايا الإنسان المعاصرة من خلال رؤي غير علمية..

12- العلاقة بين الشريعة والأخلاق

نعتقد أن التعامل الأخلاقي والالتزام بالفضائل الأخلاقية يقود الإنسان إلى السعادة، وهذه الوظيفة من أسمى الأهداف الدينية. ولهذا فإن الشريعة التي تسعى إلى إرشاد البشر نحو السعادة لا يمكن أن تكون غريبة عن الأخلاق، أو تتجاهل الأخلاق في التعبير عن الأحكام الدينية، أو تصدر فتوى ضد القيم الدينية..

وفي اعتقادنا فإن الشريعة تنتج ثمارها إذا كان العمل بها مصحوباً بالحياة الأخلاقية. وإلا فإن نتيجة التركيز على الشريعة دون الأخلاق لن يُنتج سوى ركود على ظواهر تعابير الشريعة وظهور أفكار جافة وغير مرنة..

نعتقد أن قواعد الشريعة تحدد أسس الحياة الدينية، والفضائل الأخلاقية تجعل الحياة الإيمانية ممكنة. ويمكن القول بأن الشريعة كالبيت والأخلاق هي كل ما يجعل هذا المنزل قابلاً للعيش ومكاناً للسكينة والأمن. .

وبناءً على ذلك يجب ـ كما نعتقد ـ على من يريد أن تطبيق الشريعة الالتزام بالفضائل الأخلاقية. .

13ـ الثواب والعقاب

لا شك أن الناس يواجهون نتائج مختلفة بسبب قراراتهم التي يتخذونها في حياتهم، وهناك علاقة منطقية وعقلانية بين هذه القرارات ونتائجها. فاختيار العيش على أساس الفضائل الإنسانية والتعاليم الدينية سيؤدي في النهاية إلى نتيجة مختلفة عن اختيار العيش مع تجاهل لهذين العنصرين. .

نعتقد أن الإنسان يواجه انعكاس ونتاج خياراته ليس فقط في هذا العالم بل أيضاً في العالم الآخر أيضاً. ما يتم تقديمه كثواب أو عقاب في لغة الدين هو تعبير آخر عن هذه الحقيقة. .

بالإضافة إلى ذلك يضاعف الله تعالى برحمته ولطفه آثار ونتائج تصرفات الناس وخياراتهم الصالحة، ويضاعف لهم الثواب أكثر مما يمكن تحقيقه بشكل طبيعي، وهو ما يُعبّر عنه بـ (الأجر). ولعدله تعالى اقتضت إرادته أنه إذا ارتكب الانسان عملاً غير مناسب سوف يواجه نتيجة هذا العمل الطبيعية وهو ما يعُبّر عنه بـ (الجزاء أو العقاب)..

وبالمحصل فما يُعدّ ثواباً فهو نتيجة رحمة الله تعالى ويُنسب إليه، وما يُعتبر عقوبة أو جزاء هو نتيجة طبيعية لما يختاره الإنسان بإرادته وسيواجه نتيجة هذا الاختيار بمقتضى العدل الإلهي..

14 ـ نفي الإكراه على الإيمان بالقضايا الدينية

 ينشأ الإيمان بالأمور الدينية من الوعي والاعتقاد القلبي، ويمكن القول بوضوح ان تغيير موضوع ما إلى إيمان واعتقاد قلبي ـ حتى لوكان صحيحاً ومطابقاً للواقع ـ من خلال الاكراه أمر مستحيل..

ونعتقد أن الأمور الدينية تأخذ مكانها في القلب بعد أن يقتنع بها العقل والفكر بحرية تامة. وحينها يجد هذا الاعتقاد طريقه إلى القلب ويمتزج به ويتحوّل إلى إيمان. ومن الطبيعي أن يدفع هذا الإيمان المؤمن ليعيش حياة إيمانية..

لذا نعتقد أن الإجبار والإكراه على غرس الإيمان في قلوب الناس ليس عديم الجدوى فحسب بل يؤدي إلى الابتعاد عن الإيمان والأمور الدينية على المدى القريب أو البعيد..

15 ـ معرفة الشيطان

نعتقد أن إبليس تم طرده بسبب عصيانه الأمر الإلهي في السجود للمقام الإلهي لخلق آدم (ع)، وكان قد حاز مقامات من القرب الإلهي نتيجة طاعته لله تعالى.فهو الذي تمرّد على أمر الله بسبب تكبّره تجاه آدم، وألقى باللوم على الإنسان في سقوطه، وأقسم أن يكون عقبة في طريق سعادة الإنسان ووصوله إلى مقام التمثيل الإلهي.
.

ولتحقيق هذا الهدف يبدأ الشيطان بإثارة الشك عند الإنسان بالإيمان، ثم يثنيه عن التذكر والثقة بالله والوفاء بوعود الله. إنه يخيف الإنسان من الفقر والعوز ويدعوه إلى فعل أشياء قبيحة. ويشجعه على النفاق والرياء، ويغرس بذور العداء والبغضاء ويثير الفتنة والحرب . .

نعتقد أن الشيطان يسحب الناس نحو أهدافه الشريرة بشكل تدريجي، وعندما يخطو الإنسان الخطوة الأولى مع الشيطان يدفعه إلى الخطوة الثانية بثقة أكبر. ويشعل نار الأنانية ويجمّل القبيح في عين الإنسان من خلال وساوسه التي يثيرها في قلبه وفكره. .

وبشكل عام حيثما يحلّ الغضب والكراهية مكان الحب والرحمة، ويُنسى ذكر الله تعالى، وتحلّ القسوة والنزاعات مكان السلم والوئام، يجد المرء بصمات الشيطان واضحة للعيان.

ونؤمن أن طريق الخلاص من مزالق الشيطان واتباعه تكمن في اليقظة وذكر الله تعالى المستمر في قلب الانسان، ومحاربة الاغراءات الشيطانية بالاستمرار على طريق الارتباط بالله تعالى ومداومة الاعمال الصالحة. ولابد أن نتذكر أنه مهما كانت خُدع الشيطان قوية وصعبة فهي ضعيفة جدا مقارنة بقوة الإيمان بالله جلّ وعلا ونصره وعزته..

16 ـ الخصائص العامة للمسلم في ضوء الثقلين

يتمتع المسلم الذي يتّبع منهج الثقلين ـ حسب اعتقادنا ـ بخصائص عامة وأساسية، ومن أهمها التوجّه الدائم لله سبحانه وتعالى في جميع الأحوال، وضبط النفس والتقوى والالتزام بالشؤون الدينية والواجبات الإسلامية واجتناب المحرمات التي نهى الإسلام عنها. والتعامل الحسن مع الوالدين والرحمة والعطف بالأبناء والأخلاق الحميدة مع الآخرين والابتعاد عن الانتقاص منهم. الوفاء بالعهود والمواثيق واحترام حقوق الآخرين وتجنب أي ظلم بحق الموجودات. وتجّنب خداع الآخرين وتجنب الكذب والنفاق، والتعامل بصدق ومساعدة المحتاجين، والتعامل مع الآخرين على أساس الاحترام المتبادل، واحترام حقوق الجيران والتسامح معهم … .

و ما يميّز الإنسان المسلم عموماً برأينا هو أن الناس والمخلوقات الأخرى ـ حتى الحيوانات والنباتات ـ يشعرون بالأمان منه، وبأمن من أذاه..

ما تم ذكره أعلاه ليس إلا قائمة بأهم صفات المسلم الذي يتبع مدرسة القرآن وأهل البيت (ع)، ودراسة هذا المجال بشكل أوسع يتطلب مجالاً آخراً..

17ـ الوحدة الإسلامية

نعتقد أن المسلمين أمة واحدة بفضل إيمانهم بأصول الإسلام، وهم إخوة في الإيمان. وعلى الرغم من وجود اختلافات علمية في القضايا الكلامية والفقهية وفوارق جزئية عملية، إلا أن كثرة القواسم المشتركة كعبادة الله وحده، وإيمانهم بالنبي، والكتاب، والقبلة الواحدة، بحد يجعل تلك الخلافات لا تفضي إلى العداوة والقسوة بين الأمة الواحدة والإخوة والأخوات في الإيمان..

ورغم كثرة الجماعات عند المسلمين الشيعة والسنة فإنها تنتمي إلى أُسرة إيمانية واحدة. واختلاف الآراء وتعددها داخل الاسرة الواحدة يوجب رقيّها لا التفرّق والبغضاء، كذلك الاختلاف بين الاخوة السنة والشيعة يهيأ أرضية الحوار الأخوي البنّاء الذي يؤدي بدوره إلى تطوّر المعرفة الدينية والايمانية والتآزر في الحركة نحو الله تعالى..

لذا نعتقد أن الإساءة إلى مقدسات المذاهب الإسلامية أو تكفير أي جماعة من المسلمين تحت أي شعار كان أمر مرفوض ومخالف لتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية، ويضر بوحدة المسلمين ويؤدي إلى تضعيف ارتباط الناس بالإسلام والقرآن ورسول الله (ص)..

18ـ رفض الانعزال وضرورة المشاركة الاجتماعية

نعتقد أن المسلم لا ينبغي أن يعزل نفسه بذريعة الممارسات الدينية، ويفصل نفسه عن الزمن الذي يعيشه. فالانعزال والابتعاد عن الحياة الطبيعية المعتدلة ليس من تعاليم الإسلام. .

ونعتقد ان المسلم في أي مجتمع جزء من ذلك المجتمع، وعليه أن يسعى ليكون حضوره الإنساني والأخلاقي والديني مفيداً للمجتمع الذي يعيش فيه، ويؤدي دوره بشكل صحيح..

وعلى المسلم أن يسعى لتطوير قدراته العلمية لخدمة الإنسانية ويستفيد من ذلك كمواطن مسلم ملتزم بالقيم الأخلاقية لخدمة الناس، ويشارك الآخرين في الفعاليات الاجتماعية الصحيحة..

19ـ الدعوة لفعل الفضائل واجتناب الرذائل

يتحمل المسلم ـ في الرؤية الإسلامية ـ مسؤولية نشر الخير والحد من الشر على المستوى الفردي والاجتماعي. وبما أن الانسان بفطرته يميل إلى الخير ويجتنب الشر فعليه أن يسعى لتنمية الخير ونبذ الشر في داخله. فلابد للمسلم أن يعيش تعاليم الاسلام في حياته الاجتماعية والفردية، وحينما يراه الآخرون يلمسون مظاهر الخير والابتعاد عن الشر. وهذا بطبيعة الحال يجذب كل عاقل للعمل بالخير والابتعاد عن الشر، ويؤدي إلى انتشار القيم الراقية واضمحلال العادات الذميمة..

20 ـ المعنوية والعبادة

يحتاج الانسان في فهم حقيقة السعادة إلى عنصر المعنوية بالإضافة إلى العنصر المادي. والمعنوية حقيقة غير مادية تعطي حياة الإنسان معنى أسمى من الحياة الجسدية، وتحرره من أسر الحياة اليومية والتركيز على أهداف مادية صغيرة..

ونعتقد ان أعلى مراتب المعنوية تكمن في عبادة الله سبحانه وتعالى، وعبادة الله تعالى هي اختيار واعي حرّ من قبل الانسان يدعوه للامتثال الأوامر الإلهية وتقوية العلاقة القلبية العميقة بمنشأ الوجود.

هذه العبادة تجمع الإنسان بكل مخلوقات العالم وتحرره من قيود العبودية والأنانية. ففي ضوء العبادة يستعيد الانسان ذاته ومبدأ عالم الوجود، ويربط نفسه بالعالم الإلهي اللامتناهي. وهكذا عبادة تقوي المعنوية في الإنسان وتزيد قدرة التعاطف والعفو فيه. .

21 ـ وحدة حقيقة الدين وتعدد الأديان

“الدين” هو الطريق والمنهج الذي يرشد الإنسان إلى الله عز وجل، ويقوده إلى السعادة. ونعتقد ان الله تعالى لم يبعث أدياناً مختلفة فيما بينها، بل علّم الإنسان ديناً واحداً لا غير. وحقيقة الدين الواحد ومحتواه الأساسي عبادة الله تعالى وحدة، وألا يخضع الإنسان لغير الله تعالى، وبذلك يتخلص من عبودية نفسه والآخرين، ويطوي مسيره نحو السعادة بحرية ووعي..

لذا فالدين الواحد الذي بلّغه جميع الأنبياء من آدم (ع) و نوح (ع) و ابراهیم (ع) إلى موسی (ع) و عیسى (ع) و محمد (ص) في مراحل متعددة وبعبارات مختلفة هو “التسليم لله تعالى”. ولم يدع أحد من الأنبياء إلى عبادة غير الله تعالى والتسليم له. .

وعلى ذلك نعتقد أن حقيقة الدين واحدة، والأديان الابراهيمية التي تُعرف اليوم باليهودية والمسيحية والإسلام ذات منشأ واحد، وكل واحد منها استمرار لما قبله. ويعود تعدد الأديان إلى بعض الاجتهادات العلمية والظواهر العملية وأساليب السلوك الديني، لا إلى أصل الدين وحقيقته.

ونعتقد أنه من الأرجح تأكيد العلماء والمنتمين إلى الأديان الإلهية على وجوه الاشتراك في التوحيد والنبوة، والتأكيد على أصل حقيقة الدين الواحد، والعمل على خدمة الانسان، والسعي للعمل المشترك على رقّي الأخلاق وتعالي القيم الإنسانية والتعايش والأمن والصلح..

22ـ علاقة العلم بالدين

نعتقد أن العلم والدين لا يتعارضان أبدًا؛ لأن العلم الناتج عن يقين هو نتاج الخبرة والعقل البشري الذي يُعتبر نبياً داخلياً للإنسان، والتعاليم الدينية هي نتاج نص الرسالة السماوية المرسلة من السماء عبر الأنبياء الذين هم العقل الخارجي للإنسان. وبناءً على ذلك لا يمكن أن تكون رؤى هذين النبيين وهما العقل الباطني والخارجي للإنسان متضاربة وغير متوافقة في المرحلة النهائية..

وبما أن العلم بطبيعة الحال في مسيرة تكاملية فمن الممكن أن يتراءى تعارضه مع الدين، لكن العلم كلما تكامل أكثر تبددت أوهام التعارض بين العلم والدين..

23ـ المهدوية وخلاص الانسان

بالنظر إلى خلفية البشرية التاريخية يمكن القول إن الانسان جرّب أنظمة وأُسس اجتماعية متعددة للوصول إلى سعادة فردية واجتماعية أفضل. والهدف وراء ذلك هو الحصول على السعادة البشرية. ومن ناحية أخرى يُلاحظ الدارس لتاريخ الأديان أن الأديان وعدت البشرية بمستقبل أفضل على يد المنجى الموعود. .

 ونحن نعتقد ان هذه النزعة الفطرية التي تجلّت في جهود الانسان وبشارة الأديان قابلة للتحقق. فهكذا اعتقاد عميق واسع لا يمكن ان يكون نتاج أمل وهمي. ويُعرف هذا الايمان التاريخي بوجود المخلّص ويوم الخلاص وتحقيق ما يصبو إليه الانسان بـ “المهدوية”..

ونعتقد أن البشرية تلعب دورا مهما في تحقيق بشارة الأديان والنزعة الفطرية. فالسعي للارتقاء بالمستوى الأخلاقي والايماني والإنساني والجهود من اجل الرقي العلمي في مختلف المجالات والسعي المتواصل من أجل تمتع المجتمع بمستوى عال من العدالة كل ذلك هو الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه الانسان في تحقيق أهداف «المهدوية.» .

وحينما تصل البشرية إلى بلوغ اجتماعي يجعلها تطالب بالعدالة الاجتماعية دون تمييز في كل المجالات ولجميع الموجودات، حينها يحين وقت الموعود المنجي ويوصل البشرية إلى أعلى مراتبها الإنسانية وتذوق طعم العدالة بلا تمييز..

في ضوء مصادر الثقلين فإن المنجي هو المهدي سليل آخر الأنبياء النبي الأعظم محمد بن عبد الله (ص) وحينما يحين وقت ظهوره يأذن الله له بالظهور وتتحقق آمال البشرية ويكون السيد المسيح(ع) إلى جانبه..

24 ـ الإنسان والكرامة الإنسانية

الانسان ليس مخلوقاً تائها في عالم الوجود، بل خلقه الله تعالى بقدرته وارادته، ومنحه العقل وقدرة الاستفادة من النعم المادية والمعنوية في الكون، وأرسل الأنبياء وأنزل الكتب السماوية؛ ليكون قادراً على خلافة الله في الأرض. وعلى هذا الأساس فالإنسان بغض النظر عن عرقه ولونه ولغته و…. يحظى بذات طاهرة ومعرفة بالله تعالى يمكن أن يُدرك من خلالها حضور الله تعالى في قلبه وضميره بشكل حقيقي، فيمنحه الأمل ويكون حاكما على القوانين المادية والعادية..

هذا الوعي الذاتي الفطري هو السمة التي تميّز الإنسان عن الآخرين وتعطيه ميزة تمثيل الله تعالى. ونعتقد أن الله تعالى فضّل الانسان على العديد من المخلوقات الأخرى وأكد على كرامته المتأصلة. لذا نعتقد أن كرامة الإنسان متأصلة في كل عرق ولون ولغة وجغرافيا… إنها حقيقة لا تنفصل عن هوية الانسان. ويجب احترامه دائماً، وكل ما يقلل من قيمته الإنسانية ويضر كرامته فهو أمر مرفوض..

25 ـ الإيثار

كما ان البشر متساوون في جوهر خلقهم، فإنهم في الحياة الاجتماعية أيضاً كالجسد الواحد. ومثلما تؤثر صحة أو مرض أي عضو في جسم الإنسان بشكل مباشر على جسم الإنسان كله، كذلك تواصل المجتمع البشري مع بعضه البعض يؤثر على حياة الانسان في شتى نقاط العالم.
لذا ومن أجل التمتع بعالم أفضل يجب لابد من إظهار التعاطف والصداقة تجاه بين الناس، والاعتزاز ببعضهم البعض، وتجنب أي نوع من الاضطهاد بحجة التمايز بين الناس. فكما يحب الإنسان كفرد العيش في بيئة عادلة وآمنة وسلمية لابد من الاعتراف بالعدالة والأمن والسلام لجميع البشر.د
.

فيجب ـ كما نعتقد ـ السعي للحد من معاناة الإنسانية وتوفير ظروف أفضل لجميع الناس لينعموا بحياة سعيدة في الدنيا والآخرة..

26ـ الاختيار والحرية

نعتقد أن الله تعالى قد أودع أسس معرفة الخير والسعادة والقبح والفساد في الطبيعة البشرية، وأرسل الأنبياء وأنزل الكتب السماوية، لكنه لم يشأ أن يجبر الناس أو يجبرهم على اختيار الحق واتخاذ الخطوات الصحيحة، بل ترك اختيار الطريق الصحيح للإنسان نفسه، وهو الذي يقرر وجهته.
لا شك في أنه في بيئة لا يتمتع فيها الإنسان بالحرية الناتجة عن الوعي لا يمكن أن يكون حراً مختاراً. ونتيجة لذلك فالتحرر من أي عامل قسري داخلي أو خارجي هو شرط للحرية والاختيار وشرط للحفاظ على هوية الإنسان وكرامته. وشاءت الإرادة الإلهية أن يكون الاختيار الواعي والحر جزءاً من الهوية البشرية، فسلب ذلك من الإنسان يعارض الإرادة الإلهية.

نحن نؤمن بأن الحرية والاختيار ليسا من حقوق الإنسان فحسب، بل هما عنصران من هويته، ويجب دائماً مراعاتهما في جميع جوانب الحياة البشرية. وتقف هذه الحرية حيث تتقاطع مع حرية الآخرين وتحد من اختيارهم الواعي.

27ـ القيم الإنسانية

نعتقد أن حركة الإنسان نحو الكمال تبدأ من ادراكه الداخلي البسيط للقيم الإنسانية. فقيم مثل المحبة والعدالة ورفض الظلم قيمٌ تحترمها المجتمعات بغض النظر عن الجغرافيا والأوضاع الثقافية والمبادئ الدينية، وهي قيم تضمن سلامة المجتمع البشري الأخلاقية والنفسية إذا ما تم الالتزام بها..

وفي عقيدتنا فإن تعاليم الأنبياء ليست لا تعارض القيم الأخلاقية فحسب، بل الالتزام بالقيم الإنسانية يهيأ أرضية مناسبة لتنمية وتعزيز القيم التي جاء بها الأنبياء. وبعبارة أخرى: يتمتع الافراد الملتزمون بالقيم الأخلاقية في مرحلة ما قبل الدين بحياة معنوية واخلاقية وإنسانية أكثر بعد الإيمان بالأنبياء..

28 ـ الأخلاق

أحد أهم أهداف بعثة الأنبياء هو تعليم الناس الفضائل الأخلاقية الفردية والاجتماعية. ونعتقد أن الأخلاق ليست قضية جانبية يمكن تصوّر حياة سعيدة من دونها، بل الأخلاق والتعامل الأخلاقي من أهم الأسس الإنسانية التي أودعها الله تعالى في الطبيعة البشرية، وتعززها في الإنسان بعثة الأنبياء..

نحن نؤمن بأن الأخلاق من أهم متطلبات التديّن، ولا شك أن الأشخاص الذين يتمتعون بمكارم الأخلاق أعلى رتبة وأكثر قربا إلى الله تعالى من غيرهم..

29 ـ نبذ العنف والتطرف

نرى أن اللجوء إلى العنف والتطرف الأعمى تحت أي شعار هو علامة واضحة على عدم فهم حقيقة الإنسان وروح التعاليم السماوية. ونؤمن أن العامل الأهم الذي يجعل الناس ينجذبون إلى رسالة الله تعالى والمرسلين السماويين هو التعامل الحسن تجاه مختلف فئات الناس، وتقبلهم لهم، ونقل الرسالة الإلهية من خلال الحب الصادق والعطف والرحمة بشكل عملي..

وبناءً على ذلك فأي نوع من العنف والتطرف حتى لو كان باسم الدين وشعاره لا علاقة له بالعقلانية وجوهر التعاليم الإلهية، ولا يُنتج سوى الابتعاد عن الدين. يضاف إلى ذلك أن أسلوب العنف والتطرف لا يولد إلا العنف والتطرف لدى الآخر، وفي هكذا بيئة لا مجال للعقلانية والسعادة والهداية والعدالة..

30ـ السلام والسكينة

يظهر من النصوص الدينية أن للسلم والسكينة قيمة أساسية ومهمة في حياة الانسان؛ ففي كل نزاع يمكن أن يعتدي أحد الطرفين المتنازعين على حق الآخر فيكون أحدهما ظالماً والآخر مظلوماً. والظلم يلعب دوراً محورياً في الخلافات حتى لو كان في جهة واحدة. وبما ان الظلم والتعدي حاضر في الحياة البشرية، يؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى فقدان فرص كبيرة، وربما تكون خسائر غير قابلة للتعويض.

ونعتقد ان السلم والسكينة يوفران للبشرية فرصة لتطوير الذات، وظهور القدرات، والاهتمام بالحياة المعنوية، وتقبّل رسالة الأنبياء، وتلاقح الأفكار والحوار والتعايش السلمي والانسجام والعقلانية..

31- التعددية والتعايش الاجتماعي

نعتقد أن الله تعالى خلق الانسان متعدد القوميات والاعراق واللغات والثقافات والافكار رغم الوحدة في الحقيقة الإنسانية. وتكمن فلسفة ذلك التنوّع في تعزيز معرفة الانسان في التعامل مع الآخر من جهة، وتبادل الخبرات من أجل الرقي العقلي والعملي للإنسانية من جهة أخرى. .

ونعتقد أن الاستراتيجية العملية الوحيدة لتحقيق الإرادة الإلهية هو التعايش السلمي وتقبل التنوّع الموجود في المجتمع الإنساني بالاعتماد على طبيعة فطرة الإنسان الإلهية في التعامل الأخلاقي والاجتماعي .

32 ـ القانون والتقنين

نعتقد ان القانون هو العامل الوحيد الذي يحفظ الحياة الاجتماعية، ويؤمّن التمتع بمقدار من حقوق الانسان على أقل تقدير. وسواء قلنا ان القانون نتيجة تجارب العقل البشري أم التسالم الاجتماعي لابد من وجوده وبقاءه والالتزام به. وسواء كانت هذه القوانين نتاج تجارب العقل البشري فإنها تعود إلى الأسس العلمية ذات الاعتبار والحجية من وجهة نظر دينية، أو نتيجة توافق المجتمع عليها فيجب الالتزام بها من باب الأصل الديني الذي يلزمنا بضرورة الوفاء بالعهد والمواثيق الاجتماعية. .

فالالتزام بالقانون في عقيدتنا امر ضروري لا يمكن التخلف عنه، ولا يمكن تصور مجتمع بلا قانون، وهو خلاف العقلانية والحياة الإنسانية. ولا يعني ذلك إن القانون أو المقنن غير قابل للخطأ، فالتجربة تشهد أن الأمر ليس كذلك. لكن احتمال خطأ بعض القوانين لا يبرر التعدي على القانون، بل في حال وجود خطأ في القانون تجب معالجته من خلال الطرق القانونية..

33 ـ حرية الرأي

نعتقد أن الانسان العاقل يتمتع بالسعادة في الدنيا والآخرة، ومن أبرز صفات العاقل الاستماع إلى القول والتأمل فيه واختيار أحسنه. فلابد من إعداد أرضية مناسبة يستطيع الانسان من خلالها بيان رأيه بحرية وشفافية ليتسنى للآخرين فهم كلامه ليتمكنوا من الاستماع إليه، ويظهر من بين ذلك أفضل الكلام..

ونعتقد أن فقدان حرية التعبير أحد العوامل التي يمكن أن يساعد على إعداد أرضية سلوكيات خاطئة في المجتمع. فاحتكار الحق في حرية التعبير لمجموعة معينة وحرمان الآخرين منها أو إهانة الآخرين وتهديدهم وقذفهم باسم حرية التعبير يهدد هذا الحق الإنساني غير القابل للإسقاط، وتقود بعض الناس إلى أساليب خاطئة وعنف. .

34ـ الأمن الاجتماعي

يُعد الأمن أحد أهم مرتكزات حقوق الإنسان، وإذا عاش الانسان تحديات مختلفة تسلب منه التمتع بحقوقه الأساسية وحياته الكريمة يظهر على سلوكه الغضب الناتج عن تراكم عدم الإحساس بالأمن، ويزيد فيه احتمال السلوك غير الطبيعي وحتى الإجرامي. .

ونعتقد أن تمتع البشرية بالأمن الاجتماعي أحد أكبر عوامل الاستقرار في الحياة البشرية، والامن الاجتماعي هو السبب في انتقال الاستقرار إلى مفاصل المجتمع الأخرى. ولا شك أن هذا الحق غير قابل لتخصيصه بفئة من المجتمع دون أخرى. ونعتقد ان استقرار الأمن الاجتماعي مرهون بالتزام جميع افراد المجتمع بالقانون..

35ـ العدالة والظلم الاجتماعي

نعتقد أن أحد أهم أهداف بعثة الأنبياء وارسال الكتب السماوية إقامة العدالة في المجتمعات على يد الانسان، فلا يُنسب الظلم إلى القوانين الإلهية..

العدالة الاجتماعية ـ كما نعتقد ـ السلوك المؤدي إلى رفع حاجات المجتمع الإنساني بصورة عامة واخذ كل ذي حق حقه. فانتشار الفقر الناجم عن انعدام العدالة الاجتماعية، واستغلال الآخرين، والتمييز بأشكاله المختلفة، واستخدام القوة والسلطة بقصد حرمان بعض الناس من حقوقهم القانونية حفاظا على هيمنة مجموعة أخرى، وارتكاب أعمال عنف غير إنساني وغير قانوني، واغتيال وقتل الأبرياء وكل أشياء من هذا القبيل، تحت أي شعار ومن قبل أي شخص أو جماعة، سلوكيات مناهضة للعدالة ومرفوضة..

36 ـ العقيدة الدينية والحد من الجرائم الاجتماعية

قد يرتكب الإنسان بعض الجرائم الاجتماعية لأسباب عديدة. ونعتقد أن للإيمان أثر كبير في الحد من الجرائم الاجتماعية والانحراف عندما يكون مصحوباً بالتربية والالتزام بالتعاليم الدينية. وبما أن الإيمان بالله تعالى والحياة القائمة على التربية الدينية يعطي معنى ساميا لحياة الإنسان ويمكّنه من التحكّم في عواطفه النفسية، فمن يثق بالإمداد الإلهي في مواجهة الصعوبات والمحن يُمنح قدرة التغلّب عليها. وعادة ما يولي هكذا اشخاص احتراما كبيرا لحقوق الآخرين، ويتجنبون التعدي على حقوق الآخرين أو الإضرار بهم..

نعتقد أنه كلما زاد عمق واتساع نطاق الإيمان والتعليم الديني في المجتمع، سيكون لذلك تأثير مباشر على الحد من الجرائم والانحرافات الاجتماعية..

37ـ التعليم

نعتقد ان التعليم أحد أهم أهداف الأنبياء، وكما أن تطور الإنسانية مادياً مرهون بالتعليم، يتطور المجتمع المتعلم معنويا ويتقبل رسالة الأنبياء الالهيين أكثر من غيره..

وكما أن تعلم وتعليم رسالة الأنبياء الالهيين والكتب السماوية أمر مهم كذلك تعلم كل ما له تأثير في تأمين حاجات البشر ضرورة عقلية ودينية وإنسانية. وقد أكدت التعاليم الاسلامية على أهمية نشر ما يتعلمه الانسان ونشر العلم، وبذلك يكون الفرد قد أدى وظيفته في هذا المجال..

38 ـ التبادل الثقافي

يشهد عالمنا المعاصر ثقافات متنوعة بسبب وفرة أساليب الحياة المختلفة، وكما تشترك هذه الثقافات في بعض عناصرها تختلف أيضا فيما بينها في موارد كثيرة. ويسبب الاختلاف في الثقافات اختلافات في الأساليب الحياتية والفكرية من ناحية، ويوفر فرصاً مهمة لزيادة الوعي وتحسين حياة الإنسان من ناحية أخرى..

إذا انطلقت ثقافة معينة من مبدأ التفوق الذاتي وحاولت فرض نفسها على الثقافات الأخرى، فسيتم اعتبارها تهديا لبقية الثقافات ويتسبب ذلك في ظهور صراعات ثقافية لا طائل وراءها ومدمرة بين الناس. .

نعتقد أن الاختلافات الثقافية لا تعني تفوقاً ثقافياً معيناً على ثقافة أخرى، بل يمكن أن تلعب جميع الثقافات البشرية دورا مهما في التكامل الثقافي وتطوير حياة الإنسان من خلال الحوار والسعي لتوسيع نقاط الالتقاء وفهم أفضل للفوارق الثقافية بدلاً من الصراع الثقافي..

39ـ قيمة العمل

العمل على توفير لقمة العيش أو تحسين المستوى الاقتصادي للأسرة أو توليد الثروة بقصد مساعدة المحتاجين وريادة الأعمال وتحسين المستوى الاقتصادي للمجتمع والقيام بأشياء ذات مصلحة عامة وما شابه ذلك، ليس مجرد نشاط اقتصادي لإنتاج الثروة أو اكتسابها، بل مثل هذا الجهد أحد أعظم أشكال عبادة الله تعالى، إذا أُخذت الأسس الدينية والأخلاقية فيه بعين الاعتبار. .

والعمل الذي يقوم به الآخرون لنا له أيضاً قيمة خاصة يجب تقديرها من خلال مدفوعات مالية مناسبة تحفظ قدره ومنزلته..

يقوم الإنسان ببعض الاعمال في سبيل الله تعالى أو بقصد العمل الإنساني دون أي اعتبارات مادية أو غير مادية. هذا النوع من العمل لا يمكن تعويضه بأي معادل مالي؛ لأن نية وإرادة الشخص الذي يقوم بهذا العمل إلهية وغير مادية، ولا يمكن قياس قيمة عمله هذا بأي معايير مادية. ومع ذلك لا ينبغي للإنسان ألا يحصر وقته في الأنشطة الاقتصادية فقط؛ لأنه مثلما تتطلب حياته المادية أنشطة اقتصادية، لروحه أيضا احتياجات روحية وغير مادية، ويؤدي إهمالها إلى إلحاق الضرر بها..

40ـ الصناعة والتكنولوجيا

نعتقد أن الله تعالى منح الانسان صفة الابداع والخلق، ووهبه العقل والوعي وقدرة اكتشاف العلاقات بين عناصر العالم المادي. وقد استطاع الانسان من خلال السعي المتواصل والتجارب المثمرة الوقوف على أسرار العالم، وخلق فرص جديدة ترتقي بمستوى الحياة البشرية..

إن أنواع الصناعات والتكنلوجيا الموجودة لا تتعارض مع تعاليم الدين بحد ذاتها، والدين بدوره لا يتعارض مع التطور التكنلوجي. بل يعتبر الدين التطور الصناعي والتكنلوجي نتيجة النعم الإلهية التي وهبها الله تعالى للبشر كما يعتبر التعليم والجهود العلمية والصناعية والتكنلوجية التي يحتاجها المجتمع البشري أمراً دينياً وضرورة إنسانية..

ويتعارض الدين مع التطوّر العلمي والتكنلوجيا إذا أنتجا أمراً غير أخلاقي أو أديا إلى الإضرار بالطبيعة والحياة البشرية..

41ـ الرجل والمرأة

نعتقد أن النفس البشرية محور كل الفضائل وأساسها، وهي تجلي الله الذي خلقها. وهي التي تشكل حقيقة الإنسان، ومعيار تكامله وبلوغه أعل المراتب. إن الروح البشرية ليست ذكراً أو أنثى، بل هي إنسان فحسب وأن تكون أنثى أو ذكراً فذلك نتيجة وجود الإنسان على الأرض واقتضاء العالم المادي..

ومن الخرافة كون الرجال أكثر إنسانية من النساء أو النساء من الرجال، ويجب اعتبار الناس بشراً قبل أن يكونوا رجالاً أو نساءا. .

ونؤمن بأن الرجال والنساء متساوون في القيمة والانسانية، ولا يمكن تجاهل حق أي إنسان رجلاً كان أم امرأة بحجة أنه أقل قيمة ..

42ـ الأسرة

نعتقد أن الأسرة من أقدس وأهم أركان أي مجتمع، ويرتبط نجاح المجتمع ارتباطا وثيقا بسلامة الأسرة واستقرارها. .

حينما تكون الأسرة سليمة يلتزم افرادها بدورهم في الأسرة ويقومون بمهامهم. ومن أهم خصائص الاسرة الناجحة العلاقة الحميمة والثقة والاحترام المتبادل بين أفرادها. يحتل كبار السن مكانة مهمة في هكذا أسرة، ويحترمهم جميع أفرادها ويحبونهم، ويستمتع الأطفال فيها دائماً بالحب والمشاعر الدافئة لأفراد الأسرة..

نؤمن بأن أفراد الأسرة الناجحة مستعدون دائماً للوقوف جنباً إلى جنب في السراء والضراء. والاهتمام بالأسرة وسلامتها العاطفية والنفسية والثقافية، ومشاركة جميع مكوناتها في إدارة الشؤون الاقتصادية وأمور الحياة، من الواجبات الأخلاقية والإنسانية والدينية لأفراد الأسرة. .

43ـ الوالدان

يُفهم من النصوص الإسلامية أهمية منزلة الوالدين وعلوها، وتجاهلها يؤدي إلى نتائج اجتماعية واخلاقية ومعنوية وخيمة. الوالدان أصل وجود الأبناء ولهم على الأبناء حق الحياة. .

ونعتقد أن رضا الوالدين بعد رضا الله تعالى من أعظم العبادات، ويجب ألا يتحدث الانسان مع والدية بقسوة أو كلمات إهانة وعدم احترام. وخاصة حينما يتقدم بهما السن، ويحتاجان إلى العون المادي والمعنوي، فيجب حينئذ إسداء العون لهما والاهتمام بهما أكثر. من واجب الأبناء الدعاء للآباء وأيضاً العبادة بعد وفاتهما إذا استلزم الأمر. وتجب طاعتهما إذا لم يتعارض ذلك مع العقل والشرع، وإذا طلبا شيئاً غير مشروع فلابد من اجتنابه بعد بيان الأمر بشكل منطقي احترام..

44- حقوق الطفل

للأطفال حقوق كبيرة للاهتمام بها أو إهمالها على سعادة الوالدين في الآخرة. تبدأ الحاجة إلى الاهتمام بحقوق الطفل قبل ولادة الطفل، وتتشكل خلال فترة الجنين وتستمر حتى نهاية البلوغ ونموه العقلي والبدني الكامل..

نعتقد أنه يجب على كل شخص الانتباه إلى أهلية شريك حياته لتربية الأبناء وكفاءته لقبول دور الأب أو الأم..

من حقوق الأطفال اختيار الاسم الصحيح، ومن حقوقهم التمتع بالسلام والأمن الجسدي والعقلي والنمو بين أحضان والديهم بمحبة. إضاقة إلى التعليم المناسب وامتلاك المرافق اللازمة للنمو، مثل المأكل والملبس والمسكن والمرافق الترفيهية ، كل تلك الأمور حقوق أخرى يجب مراعاتها للأطفال..

إن العنف ضد الأطفال والعقوبات الجسدية أو العقلية وأي نوع من السلوك المسبب للاضطراب والإضرار بشخصية الأطفال هي بلا شك أمثلة واضحة على القسوة وتتعارض مع حقوق الطفل الإنسانية والإلهية..

45ـ حق الجار

اقتضت الحياة الاجتماعية أن يشيد الناس جنباً إلى جنب المدن والقرى الأمر الذي أدى إلى الجوار والتعايش السلمي. فالجيران كأفراد من المجتمع يعيشون مع الآخرين عن قرب يتمتعون بحقوق ومصالح مشتركة تم بيان بعضها في القانون. وقبل وجود القوانين المعاصرة يتمتع الجيران بمنزلة مهمة في الثقافة الاسلامية..

وعلى الانسان كما نعتقد مراعاة حقوق الجار القانونية ومعاملته معاملة صحية، كالعفو والصبر والتغافل عن أخطاءه قدر الامكان والصبر على ما يصدر منه من أفعال قد لا تكون صحيحة..

وعلى الانسان ان يبادر لمساعدة الجار ويسعى لرفع حاجته، ولا يجوز إيذاءه أو الإضرار به. ولابد من التواصل المستمر معه والدعاء له والاستعداد لمساعدته وكل ذلك من الحقوق الأخلاقية والدينية. فلابد من أن يكون الانسان أميناً على مال الجار وعرضه، ويتجنب التدخل في قضاياه الشخصية، ويشاركه افراحه ويعينه في المصاعب. .

46ـ الهجرة

لقد وسعت الأرض التي نعيش عليها البشر منذ آلاف السنين كسرير واسع، وفي الوقت ذاته تختلف حياة الناس في مناطق مختلفة من هذه الأرض، ولا يستغني بعض الناس عن بعضهم في نقاط الأرض المختلفة.

قد يلجأ الإنسان بسبب الظروف المعيشية إلى مغادرة وطنه الأم والهجرة إلى أرض أخرى لأغراض مختلفة، مثل تحقيق الأمن والسلام والتعليم والعمل إلخ. وقد تكون هذه الهجرة في بعض الأحيان ضرورية لاستمرار البقاء أو تحسين الحياة المادية والروحية للناس.على الرغم من المصاعب التي تصاحب الهجرة لكنها قد تكون السبيل الوحيد أمام بعض الناس. .

وتُلزم تعاليم الاسلام المهاجرين ان يتعاملوا باحترام ودقة تجاه قوانين المجتمع الجديد الذي يتواجدون فيه، ويجب على المجتمع المستقبِل للمهاجرين التعاون معهم وأداء حقوقهم واحترامها؛ كي يتسنى للمهاجرين الاندماج في المجتمع الجديد..

47 ـ البيئة

حينما جعل الله الانسان على الأرض أغناها بالموارد اللازمة للإنسان كي يتمتع ببركات الحياة. وتشير المصادر الإسلامية إلى أن الله سبحانه وتعالى لم ينعم على الإنسان بالبركات فقط، بل أُوكلت إليه مسؤولية تحسين الأرض واعمارها أيضاً..

في اعتقادنا ليست البيئة خاصة بأشخاص في عصر معين بل هي أمانة تنتقل عبر الأجيال. ولتنمية البيئة تأثير هائل على الحياة المادية والروحية للإنسان، وهو ما لا يمكن إنكاره بأي شكل من الأشكال. من ناحية أخرى، فإن الإضرار بهذا الكوكب لا يؤثر على حياة جيل معين من البشر فقط، بل يؤثر أيضاً على حياة جميع الأجيال البشرية المستقبلية وجميع الكائنات الحية على هذا الكوكب..

نعتقد أن بعض تصرفات البشر الأنانية أدت إلى تدمير البيئة بحجة البحث عن الراحة عن قصد أو عن غير قصد، وأضروا بحياتهم وحياة الأجيال القادمة والمخلوقات الأخرى التي تعيش على الأرض. وتواجه هؤلاء مسؤولية الأجيال القادمة كما انهم مسؤولون أمام الله تعالى..

ونرى اليوم بوضوح حجم الدمار الذي حدث في البيئة وتسبب في زيادة الأمراض الجسدية والعقلية والنفسية المختلفة، وواجهت الحياة مشاكل خطيرة على هذا الكوكب..

لذلك نعتقد أن حماية البيئة هي مسؤولية إنسانية وإلهية. كما أن تدمير البيئة تحت أي ذريعة عمل غير مرضي ومضر بالإنسانية والمخلوقات الأخرى..

48 ـ حماية الموارد الطبيعية

بالرغم من أن الإدارة الشاملة للموارد الطبيعية في العالم خاضعة للحكومات من ناحية قانونية، إلا أن هذا لا يعني عدم وجود مسؤوليات ملقاة على عاتق الأفراد في حماية الموارد الطبيعية.
نعتقد أن الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية لا ينسجم مع العقل والأخلاق والإنسانية، وغير جائز شرعا.
.

ليس الاستخدام غير السليم للموارد الطبيعية محرّم فحسب، بل يُحظر أيضاً القيام بأي عمل يعرّض الموارد الطبيعية للخطر ويضرها بطريقة ما، فضلاً عن أن حماية الموارد الطبيعية ومحاولة الحفاظ على هذه الموارد نظيفة من التلوث أو الضياع عمل إنساني وأخلاقي وعبادة. .

أي نوع من التلويث للمياه، أو تدمير الغابات أو الأرض، أو تدمير الحواجز الطبيعية أمام تمدد الصحراء، أو تلويث الهواء، أو إلقاء القمامة في المحميات الطبيعية وما شابه، كل ذلك محرم شرعاً. .

49 ـ حقوق الحيوان

كما يتمتع البشر بالعديد من الحقوق المناسبة لحياتهم، تتمتع الحيوانات والنباتات أيضاً بحقوق مناسبة لحياتها. إن مراعاة هذه الحقوق في التعاليم الدينية ليس حقاً لهذه المخلوقات فحسب، بل حق الله أيضاً. وقد أُلقيت مسؤولية الالتزام بذلك على عاتق البشر. فالغذاء والإسكان والعلاج من أهم الحقوق الأساسية للحيوانات .

وبما أن الحيوانات لديها نوع من الوعي والمشاعر، فإن أي نوع من السلوك الذي يتسبب في مضايقة الحيوانات، مثل قطع بعض أجزاء الحيوان، وفصله عن طفله دون سبب، وتحميله أكثر من طاقته، أو ذبح الحيوان بطريقة تزيد من ألمه، كل ذلك من ظلم الحيوان والاعمال غير المشروعة..

في رأينا يجب معاملة الحيوانات بالعطف والرحمة، وإذا كان الحيوان أليفاً لا يؤذي البشر فتجب حمايته. كما أن قطع نسل الحيوانات أو إعدامها بحجة رفاهية الإنسان، أو الإساءات غير المادية مثل الصراخ دون داع أو سب الحيوان خلاف الرفق بالحيوان. .

تعتبر التعاليم الدينية احترام حقوق الحيوانات عبادة تستحق الثواب كما أن القسوة على الحيوانات ذنب يؤدي إلى العقاب في الآخرة..

50ـ حقوق النبات

تتمتع النباتات كما نعتقد بحقوق يجب احترامها. فالعناية بالنباتات وتجنب أي نوع من السلوك الذي يضر بها من مسؤوليات كل إنسان. .

نعتقد أن غرس الأشجار وخاصة أشجار الفاكهة وسقي النباتات والاهتمام بها هي عبادات بحد ذاتها، وتعتبر التعاليم الدينية ذلك عبادة لها آثار إيجابية. ويحصل الانسان على أجر مادامت موجودة، كما يصله ثوابها كلما استظل بها أحد أو أكل منها إنسان أو حيوان. .

تعتبر التعاليم الإسلامية كسر الغصن بشكل عمدي دون غرض عقلائي بمثابة كسر أجنحة الملائكة، ويحرم تجفيف أو قطع الأشجار التي يستخدم الإنسان أو الحيوان ثمارها، وكذلك قطع الأشجار العشوائي وإتلافها..